في انطلاقةٍ تُعيد الشِّعر إلى صدارة المشهد الثقافي، افتتح معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 فعالياته مساء الثاني من أكتوبر الجاري بندوةٍ حواريّة حملت عنوان “ليلة سليمان المانع”، في إشارةٍ واضحة إلى مكانة الكلمة الشّعريَّة كجسر يتقاطعُ فيه الإبداع مع الحوار.
استهلَّ المانع الأمسية بقصيدةٍ مهداة للوطن في يومه الوطني، مطلعها:
العيدُ نعناع الفرح سُكّر الرّوح
تستاهله روح البسيطة بلادي
شف وجهها من وين ما جت محلوه…
لتكون هذه الأبيات بمثابة بطاقة عبور إلى ذاكرة شاعر ارتبط اسمُه منذ عقود بلقب “شاعر الغربة”.
وفي حديثه عن لحظة اكتشافه للشّاعر بداخله، قال المانع: “نحن من سكَّان البادية، وأبناء الجزيرة العربية يردّدون الشِّعر بينهم حتَّى وإن لم يكونوا شعراء، نشأت في بيئة شعريّة، ووالدي شاعر وباحث أنساب، في عمر الثّامنة عشرة أقنعتُ نفسي أنّني قد أكون فنّانًا، فالتحقتُ بمسرح جمعية الثَّقافة والفنون في جدة، وهناك كتبتُ أولى محاولاتي، حينها كان برنامج (نجوم الغد) يبحث عن شاعر، فألحقني مدير الجمعية بالبرنامج رغم أنّني لم أملك سوى ثلاث قصائد فقط، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف.”
يتذكّر المانع قصيدة البدايات التي مطلعها:
يا بحر جدة بسألك وين خلي
مشيرًا إلى أنَّها وصلت إلى من أراد أن تصل إليه، ونُشرت لاحقًا في صحيفة “البلاد”.
وعن مدينة جدة قال: “هي نصف امرأة ونصف قصيدة، ولذلك 60% من قصائدي ولدت فيها.”
وبعفويَّته المعتادة، أكَّد أنّ قصائده ناقشت قضايا الإنسان الكبرى: الفقر والظّلمات، مشدّدًا على أنّ الشِّعر بالنّسبة له كان دائمًا الأقرب إلى ذاته، بل كان ملاذه في مواجهة شعور الغربة الذي يسكنه منذ الطفولة: “الغربة في داخلي حتّى مع الأهل والأصدقاء، لكنَّ القصيدة كانت وطنًا موازيًا.”
وفي قراءته لمشهد الشِّعر اليوم، يرى المانع أنَّ جيل الشباب محظوظ في الانتشار بفضل الوسائط الحديثة، لكنّه “ليس محظوظًا شعريًّا”، مفسِّرًا ذلك بأنّ كثافة النّشر لا تعني بالضرورة قيمة التجربة.
أمَّا عن دور الشاعر، فيلخِّصه بقوله: “حين أعبّر عن نفسي، فأنا في الحقيقة أعبّر عن الآخرين، لأني فرد من هذا المجتمع.”
وعلى الرّغم من اعترافه بأنَّه لم يكتب قصيدةً كاملةً منذ خمسة عشر عامًا، إلّا أنّه ما زال يكتب شذراتٍ شعريّةً مثل قوله:
تكفى أنا لا تترك الوقت يكسرك…
ليصف بعدها رحلته الشّعرية قائلاً: “لا أعرف ماذا أسمّيها: رحلة، أم حياة، أم كفاح، طفولة محزنة جعلتني أتشكل شعرًا.”
وقد شهدت النَّدوة حضورًا لافتًا من مختلف الأعمار ومن الجنسين، بما يؤكّد نجاح المعرض في أن يجعل للشِّعر مساحة رحبة في برنامجه، إدراكًا منه لقيمة الكلمة بوصفها ذاكرة الأمّة ولسانها الحي.





