المقالات

كتّاب ومحرري الذكاء.. ماهذا الهراء؟!

الكاتب: صالح جراد الشهري

أذكر أنني في بدايات عملي الصحفي توجهت لمكتب صحيفة كبرى رغبة مني في تقديم مقال صحفي كنت أزعم أنّه (بيكسّر الدنيا )

كان ذلك قبل عقدين من الزمن تقريباً أثناء تواجدي في منطقة تبوك التي قضيت فيها عمراً لابأس به – مايهمّ هنا هو لقاء لن أنساه جمعني بمحرر متمكن خطّ الشيب طريقه في رأسٍ أعيته كومة الملفات والمواد التي تخصّ صاحبة الجلالة وبلاطها

أذكر اسمه جيداً وأذكر كم مرةً دعوت له ، نظير المعروف الذي أسداه لي ، قال نصّاً : مبهر أنك تجرأت على المقال في هذا العمر وأتقنت الكثير من جمالياته لكنني أريدك أن تقرأ أكثر وسأنتظرك بعد شهر من الآن ، لم ينه حديثه بل نصحني بكتاب للكاتب الكبير أنيس منصور .

غادرت مكتبه وأنا أنتظر انقضاء ثلاثين يوماً رغبةً مني في ان تكتمل الإشادة لأشاهد ولأول مرة اسمي في صفحة الجريدة الحلم ، ومن يعشقون الورق اليومي قبل عقدين يدركون معنى أن يكون اسمك على صفحات جريدة.

قرأت كتاب أنيس ، لغته وفلسفته والتزامه احياناً ، كانت ترهقني متاهات انيس المقاليّة لكنها كانت اكبر التحديات في الوقوف أمامها وتحليل تعقيداتها للوصول لكاتب سيكون اسمه بعد شهر على الورق .

انقضى الشهر وعدت إليه واذكر جيداً انه لم يتذكرني لكنّي وبعد جهد استطعت اعادة صالح إلى ذاكرته ، قرأوفي صمته كنت أعيش أطول قصة ترقّب ، وضع الورقة البيضاء التي كتبت عليها مقالي ، حدّق بي ثم وقف وصفق كثيراً ، هذه اللحظة لن انساها لكننّي سأظل أذكر قيمة التوجيه وفائدة أن يكون الموجّه واعياً وكيف أنّك بثقتك تصنع حكايتك .

هذه الحكاية التي أوردتها مفصّلة لكثرة تفاصيلها ربما تحمل المعنى لدى جيل واجه صعوبة في الوصول إلى زاوية كانت شبه مستحيلة نظراً لما يحمله من سبقونا من وعي صحفي وعمق معرفي وثقافة عالية صنعت صحافة قوية ومتينه ، واعتقد أنها لو كانت اليوم بأدواتها وقوتها مع هذه المرحلة الانتقالية لربما كان الوضع أفضل بكثير .

على عكس مامررنا به ومر به من معي ومن سبقني يأتي الذكاء اليوم ليهدي من يفتقر الى الذكاء في التعامل مع الآله مقالاً او تقريراً او تحقيقاً حتى ثم يرسله للمحرر دون تثبّت من ترابط الجمل وسلامة اللغة وصحّة المصدر وايضاح المسميات وانتقاء المصطلحات .

من لم يتبحّر في المجال سيمرر الخطأ الذي سيبنى عليه كاتب او محرر ويالكثرتهم .. ومن سيعيد النظر ويوجّه ربما يواجه كلمة ( غيركم نشرت عنده ..بس انتم معقّدين)

أخيراً :

كونوا أكثر أمانه تجاه هذه المهنة .. فالمرحلة بحاجة لوعي أكبر بقيمة مانكتبه وكيف نكتبه ؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى